فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{قُل لّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا}.
من المخلوقات تغليبًا للعقلاء على غيرهم {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} جوابه محذوبه ثقة بدلالة الاستفهام عليه أي إن كنتم من أهل العلم ومن العقلاء أو عالمين بذلك فأخبروني به.
وفي الآية من المبالغة في الاستهانة بهم وتقرير فرط جهالتهم ما لا يخفى.
ويقوى هذا أنه أخبر عن الجواب قبل أن يجيبوا.
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} فإن بداهة العقل تضطرهم إلى الاعتراف بأنه بسحانه خالقها فاللام للملك باعتبار الخلق {قُلْ} أي عند اعترافهم بذلك تبكيتًا لهم {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أي أتعلمون أو أتقولون ذلك فلا تتذكرون أي من فطر الأرض ومن فيها ابتداء قادر على إعادتها ثانيًا فإن البدء ليس بأهون من الإعادة بل الأمر بالعكس في قياس المعقول.
وقرئ {تَتَذَكَّرُونَ} على الأصل.
{قُلْ مَن رَّبُّ السموات السبع وَرَبُّ العرش العظيم} أعيد لفظ الرب تنويها بشأن العرش ورفعًا لمحله من أن يكون تبعًا للسموات وجودًا وذكرًا.
وقرأ ابن محيصن {العظيم} بالرفع نعتًا للرب.
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} قرأ أبو عمرو.
ويعقوب بغير لام فيه وفيما بعده ولم يقرأ على ما قيل في السابق بترك اللام والقراءة بغير لام على الظاهر وباللام على المعنى وكلا الأمرين جائزان فلو قيل: من صاحب هذه الدار؟ فقيل: زيد كان جوابًا عن لفظ السؤال، ولو قيل: لزيد لكان جوابًا على المعنى لأن معنى من صاحب هذه الدار؟ لمن هذه الدار وكلا الأمرين وارد في كلامهم، أنشد صاحب المطلع:
إذا قيل من رب المزالف والقرى ** ورب الجياد الجرد قلت لخالد

وأنشد الزجاج:
وقال السائلون لمن حفرتم ** فقال المخبرون لهم وزير

{قُلْ} إفحامًا لهم وتوبيخًا {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} أي أتعلمون ذلك ولا تتقون أنفسكم عقابه على ترك العمل بموجب العلم حيث تكفرون به تعالى وتنكرون ما أخبر به من البعث وتثبتون له سبحانه شريكًا.
{قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَيْء} مما ذكر ومما لم يذكر؛ وصيغة الملكوت للمبالغة في الملك فالمراد به الملك الشامل الظاهر، وقيل: المالكية والمدبرية، وقيل: الخزائن {وَهُوَ يُجْيِرُ} أي يمنع من يشاء ممن يشاء {وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} ولا يمنع أحد منه جل وعلا أحدًا، وتعدية الفعل بعلى لتضمينه معنى النصرة أو الاستعلاء {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} تكرير لاستهانتهم وتجهيلهم على ما مر.
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} ملكوت كل شيء والوصف بأنه الذي يجير ولا يجار عليه {قُلْ} تهجينًا لهم وتقريعًا {فأنى تُسْحَرُونَ} كيف أو من أين تخدعون وتصرفون عن الرشد مع علمكم به إلى ما أنتم عليه من البغي فإن من لا يكون مسحورًا مختل العقل لا يكون كذلك، وهذه الآيات الثلاث أعني {قُل لّمَنِ} [المؤمنون: 84] إلى هنا على ما قرر في الكشف تقرير للسابق وتمهيد للاحق وقد روعي في السؤال فيها قضية الترقي فسئل عمن له الأرض ومن فيها، وقيل: {مِنْ} تغليبًا للعقلاء ولأنه يلزم أن يكون له غيرهم من طريق الأولى ثم سئل عمن له السموات والعرش العظيم والأرض بالنسبة إليه كلا شيء ثم سئل عمن بيده ملكوت كل شيء فأتى بأعم العام وكلمة الإحاطة وأوثر الملكوت وهو الملك الواسع، وقيل: {بِيَدِهِ} [المؤمنون: 88] تصويرًا وتخييلًا وكذلك روعي هذه النكتة في الفواصل فعيروا أولًا بعدم التذكر فإن أيسر النظر يكفي في انحلال عقدهم ثم بعدم الاتقاء وفيه وعيد ثم بالتعجب من خعد عقولهم فتخيل الباطل حقًا والحق باطلًا وأنى لها التذكر والخوف.
{بَلْ أتيناهم بالحق} إضراب عن قولهم {إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين} [المؤمنون: 83] والمراد بالحق الوعد بالبعث وقيل: ما يعمه والتوحيد ويدل على ذلك السياق.
وقرىء {بَلِ} بتاء المتكلم.
وقرأ ابن أبي إسحاق بتاء الخطاب {عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لكاذبون} في قولهم: {إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين} [المؤمنون: 83] أو في ذلك وقولهم بما ينافي التوحيد. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{قُلْ لِمَنِ الأرض وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84)}.
قدمنا ما دلت عليه هذه الآيات الكريمة، من كماله وجلاله وأوصاف ربوبيته المستلزمة لإخلاص العبادة له وحده، في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السماء والأرض أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار وَمَن يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي وَمَن يُدَبِّرُ الأمر فَسَيَقُولُونَ الله فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [يونس: 31] وفي سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله: {إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] وأوضحنا دلالة توحيده في ربوبيته، على توحيده في عبادته وقد ذكرنا كثيرًا من الآيات القرآنية الدالة على ذلك، مع الإيضاح، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} الملكوت: فعلوت من الملك: أي من بيده ملك كل شيء، بمعنى: من هو مالك كل شيء كائنًا ما كان: وقال بعض أهل العلم: زيادة الواو والتاء في نحو: الملكوت، والرحموت، والرهبوت بمعنى الملك والرحمة، والرهبة: تفيد المبالغة في ذلك. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} أي هو يمنع من شاء ممن شاء، ولا يمنع أحد منه أحدًا شاء أن يهلكه أو يعذبه، لأنه هو القادر وحده، على كل شيء، وهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير. ومنه قول الشاعر.
أراك طفقت تظلم من أجرنا ** وظلم الجار إذلال المجير

وقوله تعالى: {فأنى تُسْحَرُونَ} أي كيف تخدعون، وتصرفون عن توحيد ربكم، وطاعته مع ظهور براهينه القاطعة وأدلته الساطعة، وقيل: {فأنى تُسْحَرُونَ} أي كيف يخيل إليكم، أن تشركوا به ما لا يضر، ولا ينفع، ولا يغني عنكم شيئًا بناء على أن السحر هو التخييل.
وقد قدمنا الكلام على السحر مستوفى في سورة طه في الكلام على قوله تعالى: {وَلاَ يُفْلِحُ الساحر حَيْثُ أتى} [طه: 69] والظاهر أن معنى تسحرون هنا: تخدعون بالشبه الباطلة فيذهب بعقولكم، عن الحق كما يفعل بالمسحور. والله تعالى أعلم.
وقوله: {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} قرأه حفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي بتخفيف الذال بحذف إحدى التاءين، والباقون بالتشديد لإدغام التاءين في الذال.
وقوله تعالى: {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} جاء في هذه الآيات ثلاث مرات.
الأول: {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}. وهذه اتفق جميع السبعة على قراءتها بلام الجر الداخلة على لفظ الجلالة، لأنها جواب المجرور بلام الجر، وقوله تعالى: {قُل لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَآ} فجواب لمن الأرض، هو أن تقول: لله، وأما الثاني الذي هو {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} والثالث: الذي هو قوله: {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ} فقد قرأهما أبو عمرو بحذف لام الجر ورفع الهاء من لفظ الجلالة.
والمعنى: على قراءة أبي عمرو المذكورة واضح لا إشكال فيه، لأن الظاهر في جواب من رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، أن تقول: الله بالرفع أي رب ما ذكر هو الله، وكذلك جواب قوله: {مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} فيه معنى من هو مالك السموات والأرض، والعرش، وكل شيء فيحسن الجواب بأن يقال: لله: أي كل ذلك ملك لله، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر:
إذا قيل من رب المزالف والقرى ** ورب الجياد الجرد قلت لخالد

لأن قوله: من رب المزالف فيه معنى من هو مالكها، فحسن الجواب باللام: أي هي لخالد. والمزالف: جمع مزلفة كمرحلة. قال في القاموس: هي كل قرية تكون بين البر والريف، وجمعها مزالف. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ لِمَنِ الأرض وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84)}.
استئناف استدلالٍ عليهم في إثبات الوحدانية لله تعالى عاد به الكلام متصلًا بقوله: {وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون} [المؤمنون: 80].
والاستفهام تقريري، أي أجيبوا عن هذا، ولا يسعهم إلا الجواب بأنها لله.
والمقصود: إثبات لازم جوابهم وهو انفراده تعالى بالوحدانية.
و{إن كنتم تعلمون} شرط حذف جوابه لدلالة الاستفهام عليه، تقديره: فأجيبوني عن السؤال.
وفي هذا الشرط توجيه لعقولهم أن يتأملوا فيظهر لهم أن الأرض لله وأن من فيها لله فإن كون جميع ذلك لله قد يخفى لأن الناس اعتادوا نسبة المسببات إلى أسبابها المقارنة والتصرفات إلى مباشريها فنُبهوا بقوله: {إن كنتم تعلمون} إلى التأمل، أي إن كنتم تعلمون علم اليقين، ولذلك عقب بقوله: {سيقولون لله}، أي يجيبون عقب التأمل جوابًا غير بطيء.
وانظر ما تقدم في تفسير قوله تعالى: {قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله} في سورة الأنعام (12).
ووقعت جملة {قل أفلا تذكرون} جوابًا لإقرارهم واعترافهم بأنها لله.
والاستفهام إنكاري إنكار لعدم تذكرهم بذلك، أي تفطن عقولهم لدلالة ذلك على انفراده تعالى بالإلهية.
وخص بالتذكر لما في بعضه من خفاء الدلالة والاحتياج إلى النظر.
{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87)}.
تكرير الأمر بالقول وإن كان المقول مختلفًا دون أن تعطف جملة {مَن رب السماوات} لأنها وقعت في سياق التعداد فناسب أن يعاد الأمر بالقول دون الاستغناء بحرف العطف.
والمقصود وقوع هذه الأسئلة متتابعة دفعًا لهم بالحجة، ولذلك لم تُعَد في السؤالين الثاني والثالث جملة {إن كنتم تعلمون} [المؤمنون: 84] اكتفاءً بالافتتاح بها.
وقرأ الجمهور {سيقولون لله} بلام جارة لاسم الجلالة على أنه حكاية لجوابهم المتوقع بمعناه لا بلفظه، لأنهم لما سئلوا بـ مَن التي هي للاستفهام عن تعيين ذات المستفهم عنه كان مقتضى الاستعمال أن يكون الجواب بذكر اسم ذات المسؤول عنه، فكان العدول عن ذلك إلى الجواب عن كون السماوات السبع والعرش مملوكة لله عدولًا إلى جانب المعنى دون اللفظ مراعاة لكون المستفهم عنه لوحظ بوصف الربوبية والربوبية تقتضي الملك.
ونظير هذا الاستعمال ما أنشده القرطبي وصاحب المطلع:
إذَا قِيلَ مَنْ ربّ المَزَالف والقرى ** وربّ الجياد الجُرد قلت لخالد

ولم أقف على من سبقهما بذكر هذا البيت ولعلهما أخذاه من تفسير الزجاج ولم يعزواه إلى قائل ولعل قائله حذا به حذو استعمال الآية.
وأقول: إن الأجدر أن نبين وجه صوغ الآية بهذا الأسلوب فأرى أن ذلك لقصد التعريض بأنهم يحترزون عن أن يقولوا: رب السماوات السبع اللَّهُ، لأنهم أثبتوا مع الله أربابًا في السماوات إذ عبدوا الملائكة فهم عدلوا عما فيه نفي الربوبية عن معبوداتهم واقتصروا على الإقرار بأن السماوات ملك لله لأن ذلك لا يبطل أوهام شركهم من أصلها؛ ألا ترى أنهم يقولون في التلبية في الحج لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك.
ففي حكاية جوابهم بهذا اللفظ تورك عليهم، ولذلك ذيل حكاية جوابهم بالإنكار عليهم انتفاء اتقائهم الله تعالى.
وقرأه أبو عمرو ويعقوب {سيقولون الله} بدون لام الجر وهو كذلك في مصحف البصرة وبذلك كان اسم الجلالة مرفوعًا على أنه خبر مَن في قوله: {من رب السموات} والمعنى واحد.
ولم يؤت مع هذا الاستفهام بشرط {إن كنتم تعلمون} [المؤمنون: 84] ونحوه كما جاء في سابقه لأن انفراد الله تعالى بالربوية في السماوات والعرش لا يشك فيه المشركون لأنهم لم يزعموا إلهية أصنامهم في السماوات والعوالم العلوية.
وخص وعظهم عقب جوابهم بالحث على تقوى الله لأنه لما تبين من الآية التي قبلها أنهم لا يسعهم إلا الاعتراف بأن الله مالك الأرض ومن فيها وعقبت تلك الآية بحظهم على التذكر ليظهر لهم أنهم عباد الله لا عباد الأصنام.
وتبين من هذه الآية أنه رب السماوات وهي أعظم من الأرض وأنهم لا يسعهم إلاّ الاعتراف بذلك ناسب حثهم على تقواه لأنه يستحق الطاعة له وحده وأن يطيعوا رسوله فإن التقوى تتضمن طاعة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وحذف مفعول {تتقون} لتنزيل الفعل منزلة القاصر لأنه دال على معنى خاص وهو التقوى الشاملة لامتثال المأمورات واجتناب المنهيات.
{قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)}.
قد عرفت آنفًا نكتة تكرير القول.
والملكوت: مبالغة في الملك بضم الميم.
فالملكوت: الملك المقترن بالتصرف في مختلف الأنواع والعوالم لذلك جاء بعده {كل شيء}.
واليد: القدرة.
ومعنى {يجير} يغيث ويمنع من يشاء من الأذى.
ومصدره الإجارة فيفيد معنى الغلبة، وإذا عدي بحرف الاستعلاء أفاد أن المجرور مغلوب على أن لا ينال المجارَ بأذى فمعنى {لا يجار عليه} لا يستطيع أحد أن يمنع أحدًا من عقابه.
فيفيد معنى العزة التامة.
وبني فعل {يجار عليه} للمجهول لقصد انتفاء الفعل عن كل فاعل فيفيد العموم مع الاختصار.
ولما كان تصرف الله هذا خفيًا يحتاج إلى تدبر العقل لإدراكه عُقب الاستفهام بقوله: {إن كنتم تعلمون} كما عقب الاستفهام الأول بمثله حثًا لهم على علمه والاهتداء إليه.
ثم عقب بما يدل على أنهم إذا تدبروا علموا فقيل {سيقولون لله}.
وقرأ الجمهور {سيقولون لله} بلام الجر داخلة على اسم الجلالة مثل سالفه.
وقرأه أبو عمرو ويعقوب بدون لام وقد علمت ذلك في نظيره السابق.
وأنَّى يجوز أن تكون بمعنى من أين كما تقدم في سورة آل عمران (37) {قال يا مريم أنى لك هذا} والاستفهام تعجيبي.
والسحر مستعار لترويج الباطل بجامع تخيل ما ليس بواقع واقعًا.
والمعنى: فمن أين اختل شعوركم فراج عليكم الباطل.
فالمراد بالسحر ترويج أئمة الكفر عليهم الباطل حتى جعلوهم كالمسحورين.
{بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90)}.
إضراب لإبطال أن يكونوا مسحورين، أي بل ليس الأمر كما خيل إليهم.
فالذي أتيناهم به الحق يعني القرآن.
والباء للتعدية كما يقال: ذهب به أي أذهبه.
وهذا كقوله آنفًا {بل أتيناهم بذكرهم} [المؤمنون: 71].
والعدول عن الخطاب من قوله: {فأنى تسحرون} [المؤمنون: 89] إلى الغيبة التفات لأنهم الموجه إليهم الكلام في هذه الجملة.
والحق هنا: الصدق فلذلك قوبل بنسبتهم إلى الكذب فيما رموا به القرءان من قولهم {إن هذا إلا أساطير الأولين} [المؤمنون: 83] وفي مقابلة الحق بـ {كاذبون} محسن الطباق.
وتأكيد نسبتهم إلى الكذب بـ إن واللام لتحقيق الخبر.
وقد سُلكت في ترتيب هذه الأدلة طريقة الترقي؛ فابتدىء بالسؤال عن مالك الأرض ومن فيها لأنها أقرب العوالم لإدراك المخاطبين، ثم ارتقي إلى الاستدلال بربوبية السماوات والعرش، ثم ارتقي إلى ما هو أعم وأشمل وهو تصرفه المطلق في الأشياء كلها ولذلك اجتلبت فيه أداة العموم وهي كل. اهـ.